أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

تقنيات المراقبة:

هل انتهت ثورات الإعلام الاجتماعي؟

09 نوفمبر، 2014


إعداد: أحمد عاطف

زادت أهمية تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات وما ارتبط بها من أدوات إعلامية جديدة خلال السنوات الأخيرة. ففي أعقاب "الثورة البرتقالية" في أوكرانيا عام 2004، و"الحركة الخضراء" في إيران عام 2009، وفيما بعد الانتفاضات الشعبية لبعض الدول العربية، أعطى الأكاديميون والصحفيون والمدونون قدراً كبيراً من التكهنات حول إمكانات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات لتمكين المجتمع المدني من تحدي الأنظمة الاستبدادية في جميع أنحاء العالم من خلال المقاومة المدنية غير العنيفة.

وفي حين ناقش دُعاة الديمقراطية الغربية إمكانات "تحرير التكنولوجيا" لتمكين المواطنين الذين يعانون الاضطهاد من مواجهة الاستبداد والسلطوية، كانت الأنظمة القمعية تسعى إلى الحصول على تقنيات مُنتَجة من الغرب لمراقبة الجمهور، مما طمس تماماً إمكانية تحرير تكنولوجيا الاتصالات الجديدة.

وقد تناول هذه الإشكالية "منتدى فليتشر للشؤون الدولية The Fletcher Forum of World Affairs " في دراسة بعنوان: "نهاية ثورات الإعلام الاجتماعي"، وأعدتها Sarah Lange التي تشغل منصب المدير التنفيذي لمؤسسة Arzuw، وهي منظمة غير هادفة للربح، ومُكرسة لدعم الجيل القادم من القادة في تركمانستان.

وسائل الاتصالات الحديثة والمعارضة السلمية

منذ منتصف القرن التاسع عشر، انخرط المواطنون والسلطة في لعبة "القط والفأر"، لتسخير وسائل الاتصالات الجديدة لصالح كل طرف، وهي اللعبة التي ستستمر خلال السنوات والعقود القادمة.

وتعد الاتصالات عنصراً حاسماً وأساسياً لتنظيم وتعبئة حركات الاحتجاج الشعبية، وبالتالي أصبح تعطيل الاتصالات والسيطرة عليها هدفاً للحكومات القمعية للحد من قوة شعوبها. ورداً على التوسع السريع لوسائل الاتصال مثل وسائل الإعلام الاجتماعي والهواتف الذكية، ظهر جيل جديد متطور للغاية من "تقنيات مراقبة الجمهور" يسمح للدول بمراقبة ورصد هذه الاتصالات الحديثة بدقة وسهولة. وقامت دول مثل ليبيا وسوريا بشراء هذه التقنيات (مثل FinSpy &  (Blue Coatمن الديمقراطيات الغربية، مما أدى إلى تغيير ميزان القوى لصالح الأنظمة القمعية في مواجهة مواطنيها.

وأشارت الدراسة إلى أن تقنيات المراقبة لا تُستخدم فقط في الدول السلطوية، ولكنها تعمل أيضاً ضد أهداف في بلدان ديمقراطية بما فيها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، حيث إنها تُمكن الأنظمة القمعية من مراقبة ورصد شبكات ناشطة داخل حدودها وخارجها.

وترى الكاتبة أن الفارق الأساسي بين برامج مراقبة الإعلام في النظم الديمقراطية وتلك التي تستخدمها الأنظمة الاستبدادية، هو وجود الضوابط الدستورية والرقابة القضائية التي تُمارس لمراجعة هذه البرامج وكبح جماح مدى انتشارها. ففي الأنظمة الاستبدادية لا توجد مثل هذه الآليات والضوابط القانونية، على نحو يجعل الدولة طليقة تماماً لمراقبة مواطنيها بشكل مرعب. وعلى الرغم من أن أدوات مراقبة الجمهور تعد سرية للغاية، فإن ثمة أدلة تشير إلى أن الطلب على هذه التقنيات آخذ في الارتفاع.

غياب الخصوصية والثقة وتأثيره على الديمقراطية

تحذر الدراسة من أن تقنيات مراقبة الجمهور لا تؤدي فقط إلى إلغاء إمكانية تحرير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ولكنها تعمل أيضاً على مستوى ودرجة أعمق، إلى الحد الذي تمنع فيه المجتمع المدني من المعارضة السلمية، ومن ثم تحول من دون الحفاظ على توازن القوى مع السلطة الحاكمة خاصةً في الدول الاستبدادية. وعلاوة على ذلك، فإن هذه التقنيات تُضعف المجتمع المدني نفسه، من خلال تقويض وجود الخصوصية والثقة داخل الدولة، وهما من المحددات الأولية لتوازن القوى بين المواطن والدولة.

وتتطرق الكاتبة إلى مفهوم "الخصوصية"، لافتةً إلى أنها فكرة "شديدة التعقيد" وتعتمد بشكل كبير على العادات الثقافية والقيم المشتركة، كما تعد "الخصوصية" أمراً حيوياً لتأسيس الجماعات التي تساعد على إيجاد المجتمع المدني.

وبشأن العلاقة بين "الخصوصية" و"الديمقراطية"، تؤكد الكاتبة أنهما غير منفصلين عن بعضهما البعض، لكن بينهما صلة. فالمفهومان بمنزلة عقد غير مكتوب بين المواطنين والسلطة في البلدان الديمقراطية، حيث لا يتمتع أي شخص بالخصوصية المطلقة، وإنما يتعين على المواطنين التضحية بدرجة من الخصوصية من أجل الأمن. وفي ظل ظروف معنية فإن الديمقراطية قد تحد من خصوصية مواطنيها، خصوصاً في أوقات الحروب.

وتصف الدراسة العلاقة بين الأمن والخصوصية بأنها مثل "البندول" يتأرجح؛ بحيث لا يتم تحقيق توازن مثالي أبداً بينهما، ولكنها محل تقييم وتفاوض باستمرار بين المواطن والدولة. وما يميز "الخصوصية" في ظل النظم الديمقراطية عن نظيرتها الاستبدادية هو أن هذا "البندول" يتأرجح بحرية نسبياً، وأن "المراقبة" يُنظر إليها على أنها الاستثناء وليس القاعدة. ومن ثم تخلص الدراسة في هذا الصدد إلى أن غياب الخصوصية سيُترجم إلى مكاسب مطلقة للدولة ويُهدد بإعاقة الديمقراطية.

وعلى نهج "الخصوصية" نفسه، تشير الدراسة إلى أن "الثقة" في حد ذاتها متأصلة في العلاقة بين المواطن والحكومة الديمقراطية، مضيفةً أن "الثقة" يجب أن تكون متاحة للأفراد للمشاركة طواعية في المؤسسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للدولة، كما أنها مطلوبة لتأسيس المجتمع المدني. ولتوضيح تأثير انعدام الثقة في المجتمع، تذكر الدراسة أن المجتمعات التي تعتمد بشكل كبير على استخدام "القوة" من المرجح أن تكون أقل كفاءة وأكثر تكلفة وأقل سعادة، مقارنةً بغيرها التي تتمتع بدرجة عالية من "الثقة". ومن ثم فإن غياب الثقة يُضعف المجتمع المدني، ويتيح للدولة الاستحواذ على أكبر قدر من السلطة في مواجهة مواطنيها، حيث أنه عندما تقوم الحكومات سراً بمراقبة الاتصالات الخاصة من دون موافقة المواطنين على نحو قد يترتب عليه اعتقال وتعذيب البعض، فإن الثقة بين المواطن والدولة تتآكل، وتكون النتيجة وجود مجتمع مدني ضعيف وغير موثوق فيه.

وتعد "السرية" أداة قوية للقمع لدى الأنظمة الاستبدادية، بيد أن انتشار الإنترنت والهواتف المحمولة ووسائل الإعلام الاجتماعية مكَّن المواطنين العاديين من اختراق حاجز السرية وتسليط الضوء على تصرفات حكوماتهم. ومن ثم فمع اخترق تلك السرية، أصبحت هناك ساحة للنشطاء والصحفيين والمواطنين لمساءلة حكوماتهم، وتحويل ميزان القوى بعيداً عن الدولة إلى أيدي المواطنين. ولكن ظهور برامج مراقبة الجمهور أدى إلى الحد من تأثير وسائل الاتصالات الجديدة، ومن ثم تدمير الثقة، وتدهور الخصوصية، مما يضعف المجتمع المدني بشكل كبير، ويمنع التطور الديمقراطي.

الأنظمة الاستبدادية.. تراقب وتتعلم

على الرغم من أن "الثورة البرتقالية" في أوكرانيا عام 2004 تركت الكثير من التفاؤل في العالم، لاسيما في الغرب، حول قدرة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على تمكين المجتمع المدني من تحدي الاستبداد والديكتاتورية، فإن هذه الأحداث نفسها أعطت الفرصة أيضاً للأنظمة القمعية إلى وضع استراتيجيات جديدة لمراقبة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي يمكن أن تُستخدم من قبل المواطنين لتنظيم تظاهرات شعبية.

وتدلل الدراسة على ذلك بما حدث في إيران عام 2009، والذي عُرف باسم "الحركة الخضراء"، فعلى الرغم من أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كانت أداة قوية لمضاعفة أعداد المتظاهرين المعترضين على نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية في هذا العام، ورفضهم إعلان الحكومة الإيرانية فوز المرشح آنذاك محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية، فإن هذه التظاهرات تم قمعها من خلال آليات مراقبة اتصالات المواطنين الإيرانيين، وكانت النتيجة فشل "الحركة الخضراء".

ومثلما كانت إيران تراقب وتتعلم مما حدث في أوكرانيا عام 2004، فإن الأنظمة القمعية الأخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كانت تشاهد وتستفيد مما حدث في طهران عام 2009، وتشير الكاتبة في هذا السياق إلى تجربة الثورة الليبية عام 2011، مؤكدةً أن نظام "معمر القذافي" كان حينها في محادثات مع شركة Amesys الفرنسية، وذلك لتوفير أدوات للسيطرة على خدمات الإنترنت مثل سكايب وفيديوهات يوتيوب، ومنع الليبيين من تمويه وإخفاء أنشطتهم على شبكة الإنترنت باستخدام خوادم "بروكسي". وقد كشفت Amesys أنها قدمت لنظام "القذافي" مجموعة متطورة من أجهزة مراقبة الإنترنت التي سمحت للنظام بالتجسس على النشطاء الليبيين ورصد أنشطتهم على شبكة الإنترنت.

وثمة حكام آخرون واصلوا المشاهدة والتعلم فيما يتعلق بالرقابة على الإعلام الاجتماعي بعد انتفاضات الربيع العربي، ومن هؤلاء – على حد ذكر الكاتبة- الرئيس السوداني "عمر البشير" ورئيس تركمانستان "قربان قولي بيردي محمدوف"، حيث أكدت أن تركمانستان حصلت على تكنولوجيا FinSpy عام 2012، فيما كشفت أدلة في يونيو 2013 عن أن السودان لديها الآن تكنولوجيا Blue Coat لمراقبة الانترنت.

وترى الكاتبة أن صورة واحدة من انتهاكات حقوق الإنسان على مواقع التواصل الاجتماعي، ليست دائماً كافية لإسقاط النظام، ولكن عندما تجتمع عوامل الإحباط الاقتصادي وخيبة الأمل من فساد المسؤولين، ففي هذه الحالة يتطلب الأمر صورة أو فيديو لإشعال غضب المواطنين، مثلما حدث مع صورة خالد سعيد في مصر وفيديو محمد البوعزيزي في تونس، حيث كانا الشرارة التي أشعلت السنوات المتراكمة من اليأس والإحباط لدى الشعبين المصري والتونسي.

ختاماً، تخلص الدراسة إلى أن من أكبر التهديدات للمواطنين الذين يعيشون في ظل النظم الاستبدادية، هي تقتنيات مراقبة الجمهور عبر وسائل الاتصال الجديدة، وهي التقنيات التي تم تطويرها من قبل مواطنين يتمتعون بالحرية والفرصة للانخراط في مجال الابتكار وريادة الأعمال في الديمقراطيات الغربية، وهو ما يعني أن الدول الديمقراطية التي تطمح إلى دعم الحرية وحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، هي ذاتها الدول المسؤولة عن معاناة الشعوب النامية.

وتؤكد الدراسة أنه لايزال من الممكن للمواطنين الذين يعيشون في ظل أنظمة استبدادية تستخدم تقنيات مراقبة الجمهور، الانتصار في نضالهم السلمي ضد الدولة، ولكن ذلك سوف يتطلب استراتيجية مختلفة، وأدوات جديدة وتكنولوجيا مبتكرة لتحقيق النجاح.

* عرض موجز لدراسة بعنوان: "نهاية ثورات الإعلام الاجتماعي"، المنشورة في شتاء 2014 عن "منتدى فليتشر للشؤون الدولية"، وهي مجلة تصدر عن مدرسة فليتشر للقانون والدبلوماسية، وتهتم بتحليل الموضوعات القانونية والسياسية والاقتصادية والبيئية والدبلوماسية في الشؤون الدولية.

المصدر:

Sarah Lange, The End of Social Media Revolutions, The Fletcher Forum of World Affairs, Volume 38, Number 1 (USA: The Fletcher School of Law and Diplomacy, Winter 2014) PP 47-68.